الاثنين، 16 فبراير 2009

كيف يتخلص العراق من صدارة العالم بالفساد؟


شبكة البصرة
د. عماد الدين الجبوري
دأبت منظمة الشفافية الدولية منذ عام 1995 بإصدار تقرير سنوي فيه مسح شامل عن الفساد لمجموع 180 دولة. وفي عام 2004 أشارت هذه المنظمة إلى انحدار العراق نحو مطاف الدول الفاسدة. ثم في عام 2005 حذرت المنظمة أيضاً من قرب ولوج العراق بدائرة الدول الأكثر فساداً في العالم. ولقد تحقق ذلك في عام 2006، وبعدها احتل العراق المرتبة الثالثة في عام 2007، ليصل إلى الصدارة بسرعة مرعبة في عام 2008. حيث أصبح العراق الآن أسوء وأردئ حتى من الصومال وأفغانستان ودول أخرى لا تمتلك من خيرات العراق شيئاً، مثل سيراليون وليبيريا وغيرها. وهذا كله ناتج عن سياسة النهب المنتظم والمكثف لثروات البلد من قبل المحتل الأمريكي من جهة. وحكوماته التي نصبها عنوة على رأس السلطة من جهة أخرى.
عموماً فأن التقرير الذي تعده منظمة الشفافية الدولية وهي غير حكومية ومقرها في برلين، يتم عبر نخبة من رجال الأعمال والخبراء والأكاديميين. كما وأن التقرير يرتبط بواقع الحال وفق الحقائق الملموسة والمعاشة عملياً، وما يتبعها من دراسة مسهبة نظرياً. ولهذا فأن تقاريرها تتسم بالدقة والموضوعية والحيادية.

الحرية والأمان صفران
يضع التقرير نسبة مئوية عن كل فقرة من فقراته التسعة، ثم يجمعها وفق نقاط ليحدد تقييم البلد بحسب حجم الفساد المستشري فيه. والعراق الذي يحتل المرتبة الأولى عالمياً بالفساد، فأن الجدول الذي يخصه جاء على الشكل التالي :
1- تكاليف المعيشة 100
2- الثقافة والترفيه 20
3- الاقتصاد 10
4- البيئة 32
5- الحرية 0
6- الصحة 20
7- البنية التحتية 15
8- الأمن والأمان 0
9- المناخ 38
مجموع النقاط 29

والملاحظ أن درجة الصفر قد تكررت تجاه الفقرتين الحرية والأمان. وهذا يكشف مدى الزيف والتضليل الذي يسلكه الاحتلال الأمريكي وأعوانه في بغداد على أن العراق يمتلك الحرية ويحرز تقدماً على المستوى الأمني. أن درجة الصفر في تقييم الحرية لدى العراق والعراقيين، تعني صفعة حادة تعود أصلاً إلى "قانون تحرير العراق" الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي ليجيز به احتلال بلد بغية منحه الحرية!! كما وأنه يمثل حقيقة البؤس والرعب في السياسة التي اتبعها الرئيس العدواني جورج بوش بالتوافق مع الحكام المسخ في طهران وأذيالهم القادمين خلف الدبابات الأمريكية وفرق الموت الإيرانية.
أن التحسن الأمني الذي تشدق به الكذاب بوش وبقية أقطاب إدارته لاسيما زمرة المحافظين الجدد وعملائهم الإمعات المتلهفين على دفة الحكم لمصالحهم الشخصية والفئوية، قد فضحهم هذا التقرير وبيّن الحقيقة الجارية على أرض الواقع دون رتوش أو غش.

الاحتلال رأس الفساد
أن التقارير التي صدرت من منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في العراق تشير إلى أن الاحتلال الأمريكي له الدور الرئيسي في عملية الفساد، وتبديد مليارات الدولارات من الأصول العراقية التي تم الاستيلاء عليها منذ الغزو عام 2003. ففي تقريرها لعام 2006 أشارت بوضوح إلى أن سياسة الولايات المتحدة قد بدأت بالفساد عندما منحت عقوداً من الاستثمار في العراق بشكل سري ومنحاز لبعض الشركات الكبرى. ولقد سبقها تقرير الهيئة الاستشارية الدولية للأمم المتحدة التي قدمت تقريرها في شهر كانون الثاني/يناير عام 2005 والذي تؤكد فيه على أن الولايات المتحدة أعطت عقوداً للاستثمار في مجال النفط لشركة هاليبرتون، وشركات أخرى بدون إجراء مناقصات.
ويكفي أن نذكر هنا إلى أن إدارة البيت الأبيض كانت تضم نحو 100 موظف كانوا يعملون في مجال النفط، على رأسهم الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني. حيث عمل بوش بقطاع الأعمال وأسس وترأس شركة بوش للتنقيب عن النفط والغاز لمدة 11 عاما، مما جعله أن يكسب خبرة واتصالات واسعة في هذا المضمار. أما تشيني فقد شغل منصب رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون للخدمات النفطية ما بين (1995-2000).
وفي حديث للعضو السابق في مجلس الحكم محمد صالح بحر العلوم أدلى به إلى صحيفة القدس العربي والمنشور بتاريخ 14/7/2007 قال فيه: إن السرقات تمت من خلال مسؤولين أمريكيين تولوا مناصب رسمية في العراق بعد احتلال بغداد، مؤكدًا أن السفير بول بريمر الذي انتهت ولايته بعد تسليم السلطة للعراقيين في 30 حزيران/يونيو 2006 قام بسرقة أكثر من 250 مليار دولار من أموال العراق ممثلة بأرصدة نقدية وكميات كبيرة من الزئبق وغيرها من الموجودات.
علماً أن بحر العلوم أحد الذين ساعدوا في إرساء العملية السياسية وفق المعايير الأمريكية، وشاركوا بمنح الاحتلال غطاءً شرعياً. فما يقوله لا يتعلق بالحرص الوطني على كشف السرقات، بقدر ما يتعلق بالحصة من ثروات البلاد. بدليل أن أبنه إبراهيم بحر العلوم كان وزيراً للنفط في عهد ولاية بريمر. وان وزارته رفضت وضع العدادات على محطات ضخ النفط لضبط حسابات مبيعات براميل النفط!
هذا وصدر تقرير تحت عنوان "الدرس الصعب: تجربة إعادة بناء العراق"، أعده المفتش العام الخاص لإعادة أعمار العراق، المحامي الأمريكي ستيوارت بوين جنيور، ويقع في 513 صفحة يعرض فيه أكثر من 500 مقابلة وما يزيد عن 600 عملية تدقيق جمعها بوين خلال أعوام. وجاء في التقرير: أن سوء التخطيط والإهمال والفساد تسبب في إفساد برامج إعادة اعمار العراق، وإهدار مليارات الدولارات. وكذلك بالنسبة إلى المشاريع التمهيدية الضخمة لإعادة بناء العراق حيث تميزت بالإهدار والإخفاقات الناجمة عن التخطيط الأعمى والمفكك. وتناول التقرير 35 شخصاً بتهم سوء الإدارة في البرنامج الأمريكي لإعادة اعمار العراق، إلى جانب 154 تحقيقاً مفتوحاً في مزاعم رشاوي وتضارب مصالح وتقديم أدوات معطوبة والتلاعب بالمناقصات. حيث دفعت مؤسسات ووكالات حكومية أمريكية أكثر من 110 مليار دولار على شكل عقود ومقاولات لشركات تابعة للقطاع الخاص. وأن جزء من هذه الأموال المخصصة للمشاريع وزعت بين زعماء عشائر وسياسيين عراقيين.
وكشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في تقرير أعدته بعد عمليات تدقيق ومراجعة للحسابات عن أن مبالغ مالية تفوق 8 مليارات دولار تم صرفها للمتعاقدين الأمريكيين والعراقيين دون الالتزام بالقوانين الاتحادية الواجبة والمتعلقة بمحاربة الفساد. ومن جملة ما أشار إليه التقرير، أن شركة أمريكية حصلت على 11 مليون دولار دونما أن يكون هناك أي سجل بالمواد والخدمات التي وفرتها في المقابل. وكذلك تم صرف مبلغ قدره 320 مليون دولار بالعملة العراقية لموظف عراقي في شكل راتب شهري.

حكومات الاحتلال الفاسدة
إذا كان الاحتلال الأمريكي رأس الفساد في العراق، فأن هيكلية النظام السياسي الجديد الذي يسعى إلى تثبيته سيكون صورة معكوسة له. وهكذا لم تتوانى حكومات الاحتلال المتعاقبة في بغداد بالتهافت على سرقة ونهب المال العام بشكل منتظم وفق عقود أو مناقصات أو مشاريع جلها وهمية أو رديئة لا تستحق المبالغ الضخمة. ولقد انتقل هذا الفساد من مسؤولي السلطة إلى قواعد الدولة. حيث انتشار الرشاوي والاختلاسات والتهريب وغيرها من الفساد الإداري والمالي المستفحل في الدوائر والمؤسسات الرسمية.
وفي تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان للعام 2008 نصت فيه بشكل واضح وصريح على أن "الحكومة العراقية يغمرها قدر واسع من الفساد وبمختلف الاتجاهات". وتوصل التقرير إلى استنتاج مفاده أن "انتشاراً واسعاً للفساد والجريمة المنظمة القابعة في ثقافة الإفلات من العقوبة".
وفي رسالة بتاريخ 20-5-2008 وجهها كل من بايرون دروغان وشيلدون وايتهاوس من مجلس الشيوخ الأمريكي إلى وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي، عبرا عن مدى الفساد الحاصل في الحكومة العراقية بأنه "صاعق". وأوردت الرسالة مضمون شهادة أدلى بها المسؤول السابق بوزارة الخارجية آرثر بريتان أمام لجنة بمجلس الشيوخ مؤخراً، أفاد فيها بأن المفتش العام لوزارة الصحة العراقية سرب ما قيمته مليار دولار من الإمدادات الطبية إلى السوق السوداء وأدخل الأرباح في جيبه.
في الواقع أن إدارة بوش عندما أسست البنية السياسية في دولة العراق الجديد، فأنها أنشأت مكتباً مركزياً يتولى تنظيم وترتيب وإدارة جميع العقود الرسمية. إلا أن حكومة المالكي ألغت هذه المركزية وأحلت بدلها عشرات الوكالات المتعاقدة دون محاسبة حقيقية ولا مراقبة فعلية، مما زاد من استشراء الفساد على نحو سريع ومتفاقم.
ورغم أن مجلس الحكم أقر تأسيس "هيئة النزاهة العامة" في 28-1-2004، والمفترض بها أن تكون لجنة مستقلة مخصصة لتطبيق قوانين محاربة الفساد ومعايير الخدمة العامة. فأن رئيس لجنة النزاهة السابق القاضي راضي حمزة الراضي كشف عن أمور كثيرة، منها أن الولايات المتحدة طالبت من النظام العراقي تطبيق معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة الفساد. إلا أن رئيس الحكومة المالكي اعترض على ذلك. وبالمقابل عمل بشكل مخيف لإحراج موقف التحقيقات التي جرت ضد الفساد. كما وأصدر المالكي أمراً سرياً يمنع بموجبه التحقيق مع رئيس الوزراء أو أي من عناصر حكومته دون موافقة مسبقة منه. فإذا كشف الراضي أن المالكي مارس الفساد، فعليه أن يحصل على موافقة المالكي نفسه لإجراء التحقيق معه!!
ومما تطرق إليه الراضي أيضاً إلى أن: ثمانية وزراء من الحكومات المختلفة التي تعاقبت في العراق بعد الغزو، أحيلوا للقضاء بتهمة الفساد، "ولكن المحاكمات لم تتم لأن أكثرهم هرب إلى خارج البلاد وبعضهم يتمتع الآن بحصانة برلمانية لم يتم رفعها عنه بعد". من بينهم حازم الشعلان وزير الدفاع في حكومة أياد علاوي. حيث تم اتهامه "بإهدار 1.3 مليار دولار من المال العام" مع 72 مسؤولاً من تلك الحكومة.
وبذا فأن مختلف الوزارات العراقية منعت عناصر التحقيق في ممارسات الفساد بالدخول إلى وزاراتها. كما ورفض الوزراء تقديم جرد حسابي عن دخولهم السنوية. بل تم تصفية أكثر من 30 محققاً تابعاً لهيئة النزاهة، واغتيال أكثر من 50 قاضياً ممن أصدوا أحكاماً في قضايا فساد أو إرهاب. مما اضطر الراضي حسب قوله للهروب من العراق إلى الولايات المتحدة بعد تسلمه تهديدات بالقتل. مع أنه أحد المندفعين للعملية السياسية الجارية تحت حراب المحتل.
أن ما صرح به توم كيسي المتحدث بأسم وزارة الخارجية الأمريكية في أوائل شهر حزيران/يونيو عام 2008 في إطار ملاحظات عامة قائلاً: "نحن هنا معنيون جداً بشأن الفساد في العراق". إلا أن الحقيقة كما عبر عنها بعض المسؤولين في وزارة الخارجية في ما يسمونه "واقع العميل". وهو نظام معروف في الخارجية، حيث تتطلب الظروف السياسية بإخفاء سرقات هذا العميل والتغطية عليها لدرجة تصل إلى ارتكاب الجريمة.
ولذلك فأن ما قاله بعض المسؤولين الأمريكيين: أن العاملين في الحكومة العراقية بدءً من رئيسها ولغاية قواعدها اختلسوا، ليس فقط مليارات الدولارات من الأموال العراقية لحساباتهم الشخصية، بل كذلك حتى المساعدات الأمريكية البالغة 18 مليار دولار. فأن التستر هنا لا يتم إلا على "العميل" من العيار الثقيل الذي توجب ظروفه السياسية أن تحميه وزارة الخارجية الأمريكية وتغطي على كافة سرقاته، والتي هي مودعة في المصارف الأمريكية أصلاً. كما كان الأمر مع شاه إيران محمد رضا بهلوي (1941-1979)، ورئيس الفلبين فرديناند ماركوس (1966-1986).

عمق التردي
يقترب الاحتلال الأمريكي من الدخول في سنته السابعة ومع تعاقب حكوماته المتنوعة تحول الشعب العراقي فيها إلى مجتمع يعاني الفقر والمرض والعوز والحرمان والتخلف من ناحية. وتسوده جرائم القتل والسطو والاختطاف والسرقة وغيرها من ناحية أخرى. علاوة على أن غالبية المجتمع صار يتكون من الأرامل والأيتام والمهجرين: نحو مليون ونصف المليون أرملة، وقرابة تسعة ملايين يتيم. وأكثر من ستة ملايين مهجرين داخل وخارج العراق. وبالتالي فأن العراقيين بشكل عام فقدوا الاحساس بالأمن والشعور بالراحة والأمان.
وكشف تقرير المنسق العام للمنظمة الدولية في العراق عام 2007 عن زيادة أعداد الأرامل اللواتي يقمن بإعالة أسرهن، إذ لم تتمكن وزارة الشؤون الاجتماعية من توفير إحصاء كامل لهؤلاء النسوة التي بلغت لحد الآن 565 ألف امرأة أرملة معيلة.
وكذلك في دراسة تحت عنوان "خارطة الحرمان ومستوى المعيشة في العراق" أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة التخطيط والإنماء العراقية، والتي نشرت نتائجها في العاصمة الأردنية عمان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007 عن واقع مستوى المعيشة للعائلة العراقية في الوقت الحاضر. حيث أشارت الدراسة إلى أن مستوى المعيشة منخفض في ميدان التعليم بنسبة 31.8% وفي مجال الصحة 22.7% والبنى التحتية الضرورية للعائلة بنسبة 58.2% والسكن 20.1% والوضع الاقتصادي بنسبة 55.1% بينما بلغ انخفاض مستوى المعيشة للعوائل نسبة 31.2%. وقطعاً أن هذه النسب قد ارتفعت فيما لو أجريت دراسة جديدة أخرى. إلا أن المهم في هذه الدراسة ليست النسب فقط، بل النتيجة التي توصلت لها في: اتهام السياسات المتبعة في العراق والتي تسعى إلى تحويل الاقتصاد العراقي إلى سوق حرة، بأنها وراء تفاقم الأوضاع المعيشية. إذ من المعلوم أن السوق الحرة تعني رفع الدعم الحكومي للسلع الأساسية والضرورية، وتفكيك أجهزة الدولة لصالح القطاع الخاص.
وقال حينها باولو ليمبو مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، أن "العراق الذي أنعم الله عليه بكميات كبيرة من الموارد الطبيعية وأفضل نوعية من الموارد البشرية، أدت أيدي البشر إلى انهياره". وأضاف أن "ما يحصل الآن في العراق هو مأساة من صنع الإنسان".
أن تردي وتدهور الأوضاع في العراق قد تناولته عدة مؤسسات ومنظمات دولية رسمية أو أهلية. بينها منظمة الصليب الأحمر الدولية التي صرحت متحدثتها دوماني في بيان صحفي من مقرها في عَمان مشيرة فيه إلى أمور كثيرة منها: "أن الخدمات الأساسية في العراق من صحة وماء وكهرباء تعاني من نقص خطير في الموارد البشرية والمستلزمات وأن المستشفيات غير قادرة على التعامل مع العدد الكبير من الجرحى، إضافة إلى أن الكثير من الأطباء والممرضين تركوا المهنة بسبب الخوف".
وفي تاريخ 18-12-2008 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً واسعاً عن الفساد المستفحل في العراق، قالت فيه: أن العراق يغرق في الفساد والرشوة لدرجة أن العراقيين يستغلون كل شيء تملكه أو تبيعه أو تشتريه الحكومة العراقية المركزية. وأشارت إلى أن أدوية السرطان التي توفرها وزارة الصحة العراقية تباع بحوالي 80 دولاراً في الصيدليات. وكذلك تباع عدادات الكهرباء التي توفرها وزارة الطاقة العراقية بمبلغ 200 دولاراً. وحتى الكُتب المدرسية للصفوف الابتدائية التي توفرها وزارة التربية العراقية، تباع في المكتبات بثلاثة أضعاف ما كانت تتقاضاه الحكومة.
والطامة الأخرى التي لحقت بالمجتمع العراقي لتزيد من مصائبه في تردي أوضاعه هي انتشار المخدرات. فبعد أن كان العراق خالياً تماماً من المخدرات وباعتراف أممي، أصبح بسبب الاحتلال والفوضى والفساد مرتعاً لها. وحسب البيان الصادر عن جمعية الإصلاح لمكافحة المخدرات في العراق، بأن أعداد الذين يتعاطون المخدرات في ازدياد مستمر. كما وان العراق صار سوقاً للمخدرات سواء ما يصرف منها داخلياً أو ما يمر عبر أراضيه إلى دول الجوار.
ووفقاً للتقرير العاجل الذي أعده ليون بانيتا المسؤول الجديد لوكالة المخابرات الأمريكية وقدمه إلى الرئيس باراك أوباما مطلع هذا الشهر شباط/فبراير 2009، ذكر فيه تورط الوكالة في نقل المخدرات بالتعاون مع عصابات إنتاج وتهريب المخدرات من كولومبيا ودول أخرى في أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة. ونفس الأمر بالنسبة إلى زعماء العصابات في أفغانستان وزعماء قبائل في زراعة الحشيش ونقلها بطائرات خاصة بالوكالة إلى دول بالمنطقة من بينها خليجية. ونص التقرير أيضاً على أن زراعة الحشيش قد تضاعفت خمس مرات في أفغانستان خلال الاحتلال الأمريكي. وأن الحكومة الأفغانية تعلم بذلك لكنها تخشى بطش الوكالة.

المقاومة هي الخلاص
بعدما جرب المحتل الأمريكي وأعوانه كل أنواع الخداع والتضليل باستخدام مبادئ الحرية والديمقراطية والرفاه الذي سينعم فيه الشعب العراقي. وبعد أن أفشل العراقيون جميع المخططات الصهيونية الأمريكية الصفوية الهادفة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي عبر إشعال نار الفتنة الطائفية. فأن العراقيين الأصلاء يدركون بحكم وعيهم التاريخي وعمقهم الحضاري، أن الغازي المحتل ومؤججي الحرب الطائفية هم من خارج الدار. وان رجال المقاومة البواسل هم من أهل الدار. وهكذا كان ومازال الأحرار من العراقيين الوطنيين سنداً داعماً للمقاومة المسلحة من جهة. وتمسكهم الثابت في مناهضة الاحتلال من خلال قواهم المدنية من جهة أخرى.
ومثلما أستطاع المجتمع العراقي أن يجابه ويتغلب على أعظم هجمة داخلية في تاريخه الحديث والتي اشتدت أوارها بين عامي 2006-2007 مشحونة بكل سموم الصفوية الصفراء. فأن رجال المقاومة المخلصين تمكنوا أيضاً من الصمود تجاه الاختراقات والانشقاقات التي أحدثها المحتل الأمريكي عبر جواسيسه ومجالس الصحوات وشراء ضعيفي النفوس وغير ذلك. كما واستمرت المقاومة على أرض الواقع في تحقيق إنجازاتها الميدانية والإعلامية بشكل متصاعد، يعكس قوة الإيمان في الثبات والتحدي. وهذا الصمود المقاوماتي الفذ هو الذي كسر شوكت الجيش الأمريكي، وهو الذي أنهك قواه المعنوية وطمس كبريائه المتعجرفة بوحل العراق.
أن المقاومة الوطنية هي الطريق الوحيد لخلاص العراق من كل ما علق به من أدران الأمريكان والصفويين وخدامهم من العراقيين المنبطحين. وبعونه الله تعالى ذهب الكثير وبقي القليل. وما سيصدر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول سحب قواته من العراق في غضون 16 أو 19 أو 23 شهراً. فإنها في كل الأحوال دلالة أخرى تبرهن لكل متابع وباحث ومحلل أن المقاومة العراقية سائرة على بركة الله في تحرير البلاد والعباد، وأن المحتل سائر نحو الزوال كما أثبتت حقائق التاريخ.
أما الذين يرجون خيراً من خلال مشاركتهم بالعملية السياسية بغية تغير الأوضاع نحو الأحسن. فعليهم أن يأخذوا بالنتائج من ناحية. وحقيقة ما يمكن تغيره من ناحية أخرى. بمعنى أن النتائج بخطوطها الدستورية والسياسية والاستراتيجية هي مرسومة ومحسومة لصالح المحتل وأذنابه من الدائرة الضيقة، ولا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال. لأنها مصيرية الوجود لبساطيل المحتل وللشرائط السوداء الملتفة حوله من الأعوان. إذن فالتغير المسموح به يكون وفق حيز فاعليته صورية محدودة تعكس شيئاً عن مفاهيم الحرية والديمقراطية. بيد أنها لا تؤثر بهيكلية تلك النتائج التي صاغها المحتل وقدمها كنظام ثابت يتبعه كل المشاركين بالعملية السياسية. أي أن المشارك السياسي هنا كاللاعب الرياضي يخضع لشروط وقوانين اللعبة، لكنه يتحرك ويناور ويتفاعل وفقاً لقواعد اللعبة لا أكثر. وبما أن المقاومة العراقية تقف بالمرصاد للعدو المحتل ولكل أعوانه وأذنابه، إذن فأن الخلاص من العملية السياسية برمتها لا تتم إلا عبر صناديد المقاومة. وكل مَن يختار طريقاً أخراً ولو بحسن نية، فعلية أن يفكر ملياً قبل الغوص في قواعد لعبة تجرفه بعيداً ولا مخرج له منها، إلا بالعودة في صفوف المقاومة أو القوى المناهضة للاحتلال أو التوبة وذلك أضعف الإيمان. أن حقيقة الخلاص للعراق من صدارة العالم بالفساد لا تتم عبر ترميمات سياسية أو انتخابات يشوبها التزوير في كل مرة، وإنما من خلال المقاومة والمقاومة وحدها

ليست هناك تعليقات: